في ظل التحديات العالمية المتزايدة المتعلقة بتغير المناخ وندرة الموارد الطبيعية وارتفاع الطلب على الغذاء نتيجة للنمو السكاني برزت الحاجة الملحة إلى تبني نهج مستدام في الزراعة.
كما يمثل استخدام الطاقات الجديدة والمتجددة أحد المحاور الحيوية في التحول نحو الزراعة الخضراء لما توفره من حلول صديقة للبيئة ومستدامة اقتصاديا ومتكاملة مع أهداف التنمية المستدامة.
هذا وتركز هذه المقالة على أبراز أنواع الطاقات الجديدة والمتجددة التي باتت تشكل ركيزة في التحول الزراعي الأخضر وعلى رأسها الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والوقود الحيوي مع استعراض سبل دمجها في القطاع الزراعي لتعزيز الكفاءة الإنتاجية وتقليل البصمة الكربونية.
أولا: الطاقة الشمسية في الزراعة
1. الزراعة الشمسية (Agrivoltaics)
تقوم فكرة الزراعة الشمسية على استخدام الأراضي الزراعية لإنتاج الغذاء والطاقة في آن واحد من خلال تركيب ألواح شمسية فوق المحاصيل.
ويسمح ذلك بتظليل المحاصيل وتقليل فقد المياه مع إنتاج الكهرباء في الوقت ذاته.
هذا وقد تم تطوير لوح شمسي أرق من الورق يتمتع بمرونة مذهلة ويمكن تركيبه على أي سطح تقريبا من الملابس إلى الخيام بل وحتى الطائرات المسيرة.
ومن خلال تطوير خلايا شمسية عضوية يمكن طباعتها على صفائح بلاستيكية رقيقة باستخدام أحبار إلكترونية ثم لصقها على نسيج فائق القوة يعرف باسم “داينيما Dyneema” ولا تتطلب هذه الخلايا بنية تحتية كبيرة مقارنة بالخلايا الشمسية التقليدية مما يجعلها أخف وزنا بنسبة 100/1.
هذا وتعد مادة الداينيما (Dyneema) واحدة من أقوى الألياف الصناعية المعروفة وهي نوع من البولي إيثيلين عالي الوزن الجزيئي (UHMWPE) يتميز بخصائص ميكانيكية فريدة مثل خفة الوزن ومقاومة الشد العالية والمرونة والمقاومة الكيميائية والحرارية. وقد جذب هذا المزيج من الخصائص اهتمام الباحثين في مجال الخلايا الشمسية لا سيما في التطبيقات التي تتطلب مواد داعمة خفيفة الوزن وذات متانة فائقة. وفي الخلايا الشمسية يمكن استخدام الداينيما في تصميم الهياكل المرنة أو الطبقات الداعمة للألواح الشمسية خاصة في التطبيقات المحمولة أو الفضائية حيث يشكل الوزن عاملا حاسما. كما تسهم مقاومته العالية للعوامل البيئية في إطالة عمر الخلايا الشمسية وزيادة كفاءتها التشغيلية. وفي الأبحاث المتقدمة يتم دمجه مع مواد نانوية لتقوية الأغشية الرقيقة ولتوفير حماية ميكانيكية دون التأثير على الأداء الكهروضوئي.
2. استخدامات مباشرة للطاقة الشمسية:
* تحلية المياه لري المناطق الجافة باستخدام الطاقة الشمسية.
* تشغيل أنظمة الري (الري بالتنقيط – الري بالرش) عبر مضخات شمسية.
* تجفيف المحاصيل والخضروات والفاكهة باستخدام مجففات شمسية.
* تشغيل البيوت المحمية والتحكم في الحرارة والرطوبة.
3. فوائد الطاقة الشمسية للزراعة:
* تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
* خفض تكلفة الإنتاج الزراعي على المدى الطويل.
* تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ثانيا: الهيدروجين الأخضر (Green Hydrogen)
يعد الهيدروجين أحد أبرز مصادر الطاقة النظيفة الواعدة إذ يتميز بخلوه من الانبعاثات الكربونية عند استخدامه ويمكن استخدامه كوقود لتشغيل المركبات وتوليد الكهرباء أو في الصناعات الثقيلة والزراعة.
ويصنف الهيدروجين بحسب مصدر إنتاجه إلى عدة أنواع:
١- الهيدروجين الرمادي: يُنتَج من الغاز الطبيعي باستخدام البخار وهو الأرخص لكنه يطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.
٢- الهيدروجين الأزرق: يُنتج بنفس طريقة الرمادي لكن مع احتجاز الكربون المنبعث وتخزينه مما يجعله أقل ضررا.
٣- الهيدروجين الوردي: ينتج باستخدام الكهرباء من الطاقة النووية.
٤- الهيدروجين الأخضر: أنظف الأنواع وينتج من التحليل الكهربائي للماء باستخدام كهرباء من مصادر متجددة (مثل الطاقة الشمسية أو الرياح) ويعد الخيار المثالي لتحقيق الحياد الكربوني.
1. اذا فما هو الهيدروجين الأخضر؟
الهيدروجين الأخضر هو غاز ينتج من خلال التحليل الكهربائي للماء باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح ويعد وقودا نظيفا تماما.
2. استخداماته في الزراعة:
تشغيل المعدات الزراعية (مثل الجرارات والشاحنات) كبديل للديزل.
تخزين الطاقة المتجددة لاستخدامها لاحقا في أوقات عدم توفر الشمس أو الرياح.
إنتاج الأسمدة الخضراء عبر تفاعله مع النيتروجين لإنتاج الأمونيا الخضراء.
3. الأثر البيئي:
لا ينتج غازات دفيئة.
يقلل من الاعتماد على الغاز الطبيعي أو الفحم.
وبذلك فالهيدروجين الأخضر يعد هو المستقبل الحقيقي للطاقة المستدامة لما له من قدرة على دعم القطاعات الزراعية والصناعية والنقل دون التأثير على البيئة.
ثالثا: الأمونيا الخضراء
(Green Ammonia)

1. تعريفها:
الأمونيا الخضراء هي مركب ينتج باستخدام الهيدروجين الأخضر والنيتروجين من الهواء دون أي انبعاثات كربونية بعكس الأمونيا التقليدية التي تعتمد على الغاز الطبيعي وتنتج كميات كبيرة من CO₂.
* طاقة الأمونيا وأنواعها
تعد الأمونيا (NH₃) مصدرا واعدا للطاقة النظيفة إذ يمكن استخدامها كوقود خال من الكربون في توليد الكهرباء وتشغيل السفن وإنتاج الأسمدة. وتتميز بسهولة تخزينها ونقلها مقارنة بالهيدروجين.
هذا وتصنف الأمونيا بحسب طريقة إنتاجها إلى عدة أنواع:
١- الأمونيا الرمادية: تنتج من الغاز الطبيعي عبر عملية “هابر-بوش” وتطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.
٢- الأمونيا الزرقاء: تنتج بنفس الطريقة مع احتجاز وتخزين انبعاثات الكربون ما يجعلها أقل تلويثا.
٣- الأمونيا الخضراء: تنتج باستخدام الهيدروجين الأخضر (من التحليل الكهربائي للماء باستخدام طاقة متجددة) مع النيتروجين من الهواء دون أي انبعاثات كربونية وتعد الخيار الأنظف والأكثر استدامة.
هذا وتعد الأمونيا الخضراء أداة رئيسية لتحقيق الحياد الكربوني خاصة في القطاعات الزراعية والصناعية والنقل الثقيل.
2. أهميتها الزراعية:
تستخدم بشكل أساسي في صناعة الأسمدة النيتروجينية.
تمثل بديلا نظيفا وفعالا يقلل من البصمة الكربونية للقطاع الزراعي.
3. مميزاتها:
إمكانية تصديرها كمنتج أخضر.
تقليل الاعتماد على استيراد الأسمدة التقليدية باهظة التكلفة بيئيا وماليا.
رابعا: الوقود الحيوي (Biofuels)
1. أنواع الوقود الحيوي:
* الديزل الحيوي (Biodiesel): من الزيوت النباتية أو الدهون الحيوانية.
* الإيثانول الحيوي (Bioethanol): من تخمير السكر أو النشا.
* الغاز الحيوي (Biogas): من تخمر المخلفات العضوية وروث الحيوانات.
2. استخداماتها الزراعية:
* تشغيل الآلات الزراعية بوقود منخفض الكربون.
* توليد الكهرباء في المزارع أو البيوت المحمية.
* إدارة المخلفات بتحويلها إلى طاقة.
3. الأثر التنموي:
* إنتاج وقود من مصادر محلية.
* تحسين إدارة المخلفات الزراعية.
* إيجاد فرص عمل في سلاسل القيمة للطاقة الحيوية.
خامسا: التكامل بين الطاقة والزراعة
التحول إلى الطاقة المتجددة في الزراعة ليس مجرد خيار بيئي بل هو استراتيجية تنموية تعزز الأمن الغذائي والمائي من خلال:
* تقليل تكاليف الإنتاج الزراعي على المدى البعيد.
* توفير مصادر طاقة لامركزية في المناطق الريفية والنائية.
* تحسين مرونة النظام الزراعي أمام تغير المناخ.
* تعزيز الابتكار والتكنولوجيا في قطاع الزراعة الذكية.
وفي النهاية يعد الوصول إلى الحياد الكربوني هدفا محوريا في الجهود العالمية لمواجهة تغير المناخ ويعني تحقيق توازن بين كمية الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الأنشطة البشرية والكمية التي يتم امتصاصها أو إزالتها من الغلاف الجوي. وفي هذا السياق يلعب الهيدروجين الأخضر دورا حاسمًا كوقود خال من الانبعاثات ينتج باستخدام الكهرباء من مصادر متجددة لتحليل الماء إلى هيدروجين وأوكسجين. ويمكن استخدام هذا الهيدروجين مباشرة أو تحويله إلى أمونيا خضراء تُستخدم كوقود نظيف في الصناعات الثقيلة والنقل البحري وإنتاج الأسمدة دون توليد انبعاثات كربونية. وبذلك يسهم كل من الهيدروجين والأمونيا الخضراء في إزالة الكربون من القطاعات الصعبة التخفيف مما يجعلها أدوات رئيسية لتحقيق أهداف الحياد الكربوني عالميا. كما أن التحول نحو الزراعة الخضراء بدعم من الطاقات الجديدة والمتجددة يعد من أهم مسارات التنمية المستدامة في العالم المعاصر. فمع توظيف الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والوقود الحيوي في الأنشطة الزراعية يمكن للدول النامية والمتقدمة على حد سواء تحقيق أمن غذائي منخفض الكربون من خلال التحول للزراعة الذكية مناخيا منخفضة الكربون مع دعم الاقتصاد المحلي وتحقيق الأهداف البيئية العالمية.
ولتحقيق هذا التحول تعد السياسات الحكومية الداعمة وبناء القدرات والشراكات البحثية والاستثمارات الخضراء من العوامل الحاسمة لضمان النجاح والاستدامة.
بقلم:
الدكتور/ فوزي العيسوي يونس
استاذ ورئيس وحدة فسيولوجيا الأقلمة- مركز بحوث الصحراء
واستشاري البصمة الكربونية والإستدامة البيئية.