الزراعة الكربونية: نحو أمن غذائي مستدام

الزراعة الكربونية: نحو أمن غذائي مستدام

في ظل التغيرات المناخية المتسارعة وما تفرضه من ضغوط غير مسبوقة على الموارد الطبيعية والأمن الغذائي بات من الضروري توظيف آليات تمويل مناخي مبتكرة تضمن تحفيز السلوكيات البيئية الإيجابية وتحقيق الاستدامة الاقتصادية ويأتي نظام الائتمان الكربوني (Carbon Credit) في مقدمة هذه الأدوات.

وتلعب المنصات الدبلوماسية دورا محوريا في تعبئة الإرادة السياسية وتيسير التعاون الدولي وفتح قنوات التمويل والتسويق والتشبيك بما يسهم في تسريع تنفيذ هذا النظام داخل القطاع الزراعي وتحقيق أثر بيئي واقتصادي واجتماعي واسع النطاق.

ثانيا: تعريف الائتمان الكربوني الزراعي

الائتمان الكربوني هو آلية تسمح بتوليد وحدات كربونية نتيجة تقليل أو تجنب أو امتصاص الانبعاثات الضارة بحيث يمكن بيعها في أسواق الكربون الطوعية أو المنظمة.

في القطاع الزراعي يمكن توليد أرصدة كربونية من خلال:

ممارسات الزراعة الذكية مناخيا

إعادة تشجير الأراضي

التحول إلى الزراعة العضوية

تدوير المخلفات الزراعية

تقنيات إدارة التربة والمياه منخفضة الانبعاث

 

ثالثا: خطوات تفعيل النظام في القطاع الزراعي

1. بناء القدرات الفنية والمجتمعية:

تدريب المهندسين الزراعيين والمزارعين على مفاهيم الكربون والقياس والتحقق.

إدماج المجتمعات الريفية في تصميم وتنفيذ مشروعات خفض الانبعاثات.

2. تأسيس بنية تحتية للرصد والتحقق (MRV):

استخدام نظم معلومات جغرافية وأدوات رقمية لقياس الانبعاثات بدقة.

اعتماد جهات وطنية معتمدة للتحقق من أرصدة الكربون.

3. تطوير الأطر القانونية والمؤسسية:

إصدار تشريعات تنظم إنتاج وتداول الائتمانات الكربونية الزراعية.

إنشاء وحدة تنسيق وطنية للكربون الزراعي تربط بين الوزارات والقطاع الخاص والجهات الدولية.

4. تسويق الأرصدة الكربونية دوليًا:

دعم ربط المشاريع الزراعية بالأسواق الطوعية للكربون.

تيسير الوصول إلى منصات تمويل دولية (مثل صندوق المناخ الأخضر وبرامج الأمم المتحدة).

 

رابعا: دور الدبلوماسية في تسريع التنفيذ

1. تيسير التعاون الإقليمي والدولي:

عقد شراكات مع منظمات إقليمية (كالإيسيسكو وجامعة الدول العربية) لنقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات.

2. تعبئة التمويل المناخي:

التواصل مع الجهات المانحة والمؤسسات التمويلية لتمويل التحول إلى الزراعة منخفضة الكربون.

إدراج “الزراعة الكربونية” ضمن برامج التمويل الأخضر في الاتفاقيات الدولية (مثل اتفاق باريس).

3. الترويج للمبادرات الوطنية:

استخدام المنصات الدبلوماسية لعرض نماذج ناجحة في المحافل الدولية.

دعم الاعتراف الدولي بالأرصدة الكربونية الزراعية الوطنية.

4. بناء تحالفات خضراء:

تشجيع إنشاء تحالف عربي أفريقي للزراعة الكربونية.

 

خامسا: الأثر على الأمن الغذائي

المحور الأثر المتوقع

تحسين الإنتاجية الزراعية عبر تطبيق تقنيات زراعة مستدامة وفعالة
خفض التكاليف نتيجة تقليل الاعتماد على المدخلات الكيميائية
تنويع مصادر الدخل من خلال بيع أرصدة الكربون للمستثمرين الدوليين
تعزيز صمود المزارعين بفضل تبني نظم ذكية تواجه الجفاف والحرارة والتغيرات المناخية
جذب الشباب والنساء من خلال إدماجهم في الاقتصاد الأخضر والزراعة الرقمية

 

سادسا: دعم أهداف التنمية المستدامة (SDGs)

تفعيل الائتمان الكربوني في الزراعة يعزز تحقيق أهداف متعددة:

الهدف 2: القضاء على الجوع

الهدف 12: الاستهلاك والإنتاج المسؤولان

الهدف 13: العمل المناخي

الهدف 15: الحياة في البر

الهدف 17: عقد الشراكات من أجل التنمية

الهدف 8: النمو الاقتصادي الشامل والعمل اللائق

 

سابعا: توصيات قابلة للتنفيذ

1. إطلاق مبادرة وطنية للزراعة الكربونية بالتعاون مع الوزارات والمراكز البحثية كمركز بحوث الصحراء والقطاع الخاص.

2. إدراج مفهوم الكربون الزراعي في الاستراتيجيات الوطنية لتغير المناخ والأمن الغذائي.

3. تطوير منصة إلكترونية لتسجيل المشروعات الزراعية المؤهلة للكربون.

4. تعزيز تمثيل الدول النامية في أسواق الكربون العالمية من خلال أدوات السياسة والدبلوماسية.

ولما سبق إن تفعيل نظام الائتمان الكربوني في القطاع الزراعي لا يمثل فقط آلية تمويلية مبتكرة بل يعد تحولا استراتيجيا نحو زراعة مستدامة قادرة على مواجهة التحديات المناخية وتحقيق الأمن الغذائي. ومن خلال تعزيز التكامل بين السياسات المناخية والزراعية وتفعيل أدوات الدبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي يمكن تسريع اعتماد هذا النظام وتوسيع أثره التنموي. حيث إن اغتنام هذه الفرصة يتطلب إرادة سياسية واعية وشراكات متعددة الأطراف ورؤية مشتركة تعيد رسم ملامح التنمية الزراعية لتكون أكثر عدلا واستدامة ومرونة في وجه تحديات اليوم والمستقبل.

كما إن ربط الائتمان الكربوني بالقطاع الزراعي يمثل ثورة تنموية خضراء قادرة على تحقيق الأمن الغذائي والاستدامة البيئية معا. ويعد تفعيل المنصات الدبلوماسية ضرورة استراتيجية لتسريع هذا التحول وضمان استدامته وتكامل أبعاده على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

✍بقلم:

الدكتور/ فوزي العيسوي يونس
استاذ ورئيس وحدة فسيولوجيا الأقلمة- مركز بحوث الصحراء
واستشاري البصمة الكربونية والإستدامة البيئية.

مشاركة المقالة

مقالات ذات صلة

ارسل لنا تعليق