العودة إلى أحضان الطبيعة… طريقنا إلى التوازن النفسي والحياة المستدامة

العودة إلى أحضان الطبيعة… طريقنا إلى التوازن النفسي والحياة المستدامة

كشفت دراسة حديثة أن ارتباط البشر بالطبيعة تراجع بأكثر من 60% منذ عام 1800 في تواز شبه كامل مع اختفاء كلمات الطبيعة مثل “نهر” و”طحلب” و”زهر” من الكتب وفقا لبحث أجراه البروفيسور ميلز ريتشاردسون أستاذ الاتصال بالطبيعة في جامعة ديربي.

هذا وتوقعت النماذج الحاسوبية استمرار هذا الانحدار ما لم تحدث تغييرات سياسية ومجتمعية واسعة مع التأكيد على أن تعريف الأطفال بالطبيعة في سن مبكرة وتوسيع المساحات الخضراء في المدن بشكل جذري هما التدخلات الأكثر فاعلية. ومن خلال النقاط التالية يمكننا العودة للطبيعة:

1. أهمية العودة الي احضان الطبيعة في خضم عالم تتسارع فيه التكنولوجيا وتتكدس فيه المدن بدأ الإنسان يبتعد شيئا فشيئا عن الطبيعة التي نشأ منها واحتضنته لآلاف السنين. هذا الابتعاد لم يكن بلا ثمن؛ فقد ارتفعت معدلات القلق والاكتئاب والإرهاق النفسي. وفي المقابل تشير أبحاث علم النفس البيئي إلى أن قضاء الوقت في الطبيعة يساهم بشكل مباشر في تحسين الصحة النفسية وتعزيز الشعور بالرضا والسعادة.

2. أهمية الارتباط بالطبيعة وانعكاسات ذلك علي البشر والطبيعة:

* إعادة الشحن النفسي حيث أن الطبيعة تمنح الدماغ فرصة للراحة من الضوضاء الحسية والمعلوماتية مما يقلل الإجهاد العقلي.

* تحفيز المشاعر الإيجابية حيث أن المشاهد الخضراء أصوات الطيور، ورائحة التربة بعد المطر تحفز إفراز هرمونات السعادة مثل السيروتونين.

تعزيز الانتماء: التواصل مع الطبيعة يعيد شعورنا بأننا جزء من نظام بيئي أكبر مما يقلل من الوحدة والعزلة.

3. آليات زيادة ارتباط البشر بالطبيعة

 

1. التصميم البيوفيلي (Biophilic Design)

دمج المساحات الخضراء في المدن والمباني.

إضافة الحدائق العمودية والأسطح المزروعة.

2. الأنشطة الميدانية البيئية

تنظيم رحلات مشي في الغابات أو الجبال.

برامج تطوعية لزراعة الأشجار وتنظيف الشواطئ.

3. التعليم البيئي المبكر

إدخال مناهج تركز على التفاعل العملي مع الطبيعة في المدارس.

تشجيع أنشطة الزراعة المدرسية ورعاية النباتات.

4. الزراعة الحضرية وحدائق المجتمع

إنشاء مساحات لزراعة الخضروات والفواكه في الأحياء السكنية.

إشراك السكان في رعايتها وحصادها.

5. التحفيز الرقمي الإيجابي

تطوير تطبيقات تدعو الناس لاكتشاف المساحات الطبيعية القريبة.

نشر محتوى ملهم عن الطبيعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

6. انعكاسات الارتباط بالطبيعة على الصحة النفسية

* انخفاض مستويات التوتر: التعرض للطبيعة يخفض هرمون الكورتيزول المسؤول عن الإجهاد.

* تحسين جودة النوم: التواجد في بيئات طبيعية يعيد ضبط الإيقاع الحيوي للجسم.

* زيادة الإبداع: المناظر الطبيعية تساعد على التفكير المرن وحل المشكلات بطرق مبتكرة.

* تعزيز التعاطف والسلوكيات الاجتماعية الإيجابية: الأشخاص المرتبطون بالطبيعة يميلون لمساعدة الآخرين والحفاظ على البيئة.

7. نداء للعودة إلى الطبيعة والحفاظ عليها

إن ارتباطنا بالطبيعة ليس رفاهية بل ضرورة لسلامتنا النفسية والجسدية. كل خطوة نخطوها نحو زرع شجرة أو السير على شاطئ نظيف أو حماية طائر مهاجر، هي خطوة نحو استعادة التوازن داخلنا. الطبيعة هي بيتنا الأول والأخير، والحفاظ عليها هو حفاظ على أرواحنا.

ومما سبق يمكننا القول أنه حين نعيد بناء علاقتنا مع الطبيعة فإننا في الحقيقة نعيد بناء علاقتنا مع أنفسنا. المستقبل المستدام يبدأ من لحظة نمد فيها أيدينا للأرض نلمس أوراقها ونشم عبيرها ونحميها كما تحمينا.

بقلم:

الدكتور/ فوزي العيسوي يونس
استاذ ورئيس وحدة فسيولوجيا الأقلمة- مركز بحوث الصحراء
واستشاري البصمة الكربونية والإستدامة البيئية.

 

مشاركة المقالة

مقالات ذات صلة

من البصمة الكربونية إلى الحياد الصفري: خطوات عملية لتحقيق التنمية المستدامة

من البصمة الكربونية إلى الحياد الصفري: خطوات عملية لتحقيق التنمية المستدامة

تواجه البشرية اليوم تحديا بيئيًا محوريًا يتمثل في ارتفاع مستويات انبعاثات الغازات الدفيئة، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة الصناعية والزراعية والاستهلاكية. هذه الانبعاثات هي السبب الرئيس وراء

إقرأ المزيد »
نحو مستقبل غذائي ذكي ومستدام

نحو مستقبل غذائي ذكي ومستدام

يعَد التحوّل نحو نظم غذائية ذكية ومستدامة أحد أبرز التحديات والفرص التي تواجه الإنسانية في ظل أزمة المناخ والتضخم السكاني. تعتمد هذه النظم على دمج تقنيات متقدمة—كالزراعة الدقيقة والبيئة المضبوطة

إقرأ المزيد »

ارسل لنا تعليق